الكارة تبارك الله كلها حوالا

بالرغم من توفر العشب الأصفر في كارة التباينية لم يكن يشعر مجتمع الخرفان بالسعادة لأنه لا يجوز له الرعي أينما أحب ويمنع في كثير من الأحيان من المروج الخضراء المخصصة لشي حوالا واصلين و قرونهم طوالوا علينا بزاف ، كما لم يكونوا يحسون بكامل حريتهم بحيث كانوا يحشرون جميعا في زريبة واحدة كلها أزبال و روائح نتنة بحجةالحرص على وحدة الخرفان كي لا يزيغ عن القطيع خروف وأمور من هذا القبيل ولا يسمح لهم بقول غير كلمة ماع ماع.. فما كان من مجموعة فتية من الحملان الطائشة إلا أن دعت لاجتماع مجلس الأكباش الأعلى من أجل مناقشة قضية سعادة خرفان الكارة التي بدأت تتلاشى مع انتشار روائح المواشي المذبوحة على طريق البطالة و الزطلة بدون رقيب أو حسيب من غير علام الغيوب.
قدم ممثل الحملان لمجلس الأكباش الأعلى عريضة مفادها:
نحن الخرفان الفتية (ذكورا ونعاجا ) نحب أن نرفع لحضرتكم قضيتنا وأن تفيدونا من خبرتكم المتراكمة بعد أن من الله عليكم بالنجاة من السلخ والذبح الاجتماعي بكارة الله كريم حيث لا عشب ولا سيكاليم.
نحن لا نشعر بلذة الحياة التي قد تسمى السعادة أو الأمل وخصوصا عندما يتم ركوبنا في بعض الأحيان ونحن لم نخلق لنركب بل خلقنا لنذبح وليستفيد من صوفنا وجلدنا من هم فوقنا ، هكذا تعلمنا في الابتدائي ويشاركنا مشاعرنا ملايين المواشي من العجول والاغنام والأبقار و التي تساق إلى سوق الخميس كالمناحيس.
نحن نفكر بثورة خرفان لإعادة حقوقنا المسلوبة لنطالب بحقنافي أن نذبح بطريقة تضمن لنا كرامتنا وأن لا يتم ركوبنا كالحمير نحن نريد أن نفكر ونقول أشياء غير الماع ماع ، نحن نريد أن نشعر بما نحب أن نشعر به،لا ما يجب أن نشعر به.
نحن الخرفان الحرة نطلقها صرخة مدوية في وجه كلاب الرعي والسراحة أي الرعاة أنفسهم ولن نرضخ بعد اليوم لقوانين الرعي وسنخرج عن القطيع إذا اقتضى الأمر ولو أدى ذلك إلى ذبحنا فالذبح كخروف حر أفضل من الموت كخروف مركوب كالحمار.
هنا تعالت أصوات المأمأة (وهو صوت الخروف بالعربية الفصحى جمع الماع يعني) وأخذت الأكباش بالمأماة بقوة إلى أن نهض كبش أسود بقرون مفتولة ولية كبيرة (مؤخرة الخروف وترمز للسطوة والربربة وتختلف الخرفان حسب وضعها الزريبي (من الزريبة)و كان من اكباش السيد المفضلة.
قال الكبش : أيتها الحملان البيضاء ليس لكم وصف سوى الوداعة وهذا البياض الذي تتباهون به يستطيع الجزارون أن يخضبوه باللون الأحمر فتخيلوا أنفسكم ما سيفعله بكم الرعاة إن أنتم خرجتم عن الخط ؟ وما شعور النعجات وهي تراكم تسبحون في برك من اللون الأحمر؟
أيها الحملان الوديعة ويل لمن خرج عن القطيع فالذئاب تنتظركم لتنهش لحمكم.
أيها الحملان لا ضير من الماع ماع التي تقولون أنكم مللتم منها إذا كنا نعيش بهدوء وسلام فالماء ولو كان ملوثا و يقطع أحيانا والعشب ولو كان أصفرا أفضل من التشرد في الأراضي القاحلة حيث لا نباتات ولا ماء.
أيها الحملان باسم مجلس الأكباش الأعلى نعلن انتهاء النقاش ونمزق هذه العريضة حتى لا تصل ليد الراعي وخصوصا أن الأعياد على الأبواب فقد يطلق لحيته ويقوم بمشروع لتشجيع سنة الأضحية بكبشين للأسرة الواحدة فينقرض جنسنا من على وجه الأرض فويل لمن أمضى على هذه العريضة و ويل لمن قال شيئا آخر غير ماع ماع مثل : مااااعندناش ما خصناش ، أو المسؤولين ماااعليهومش ، و ما إلى ذلك مما يرضي الرعاة و الجزارين على حد سواء.
و لم يستسغ خرفاننا هذا اليأس و هذا الخنوع لدى آباءهم فقاموا بثورة أبريلية مجيدة و معمعوا كما أحبوا و تحدوا الرعاة و الجزارين و توعدوا بالنطح و الركل و العض.
و كان تجمعهم الأول تاريخيا بحيث كان القطيع الثائر يومها يفوق الألف .و تحولت الماع إلى ماعااات : مااااعيشينش ، مااااعادرينهومش ، مااااعندهم مااااعطاونا ، مااااعاونا حتى واحد ، ماشي ماااعقول ...إلخ
و لكن سرعان ما أخرج الجزارون سكاكينهم و الرعاة هراواتهم و أظهروها دون استعمال لقطعان الكارة فبدأت النعاج في التقهقر و شرع الحوالا في التهرب من المواجهة.
و بدأ قطيع الثائرين في التناقص و أخذ قادته حقهم من التهديد و الترهيب و التضييق و الانتقام فنطحوا يمنة و نطحوا يسرة لكن كانت تحيط بهم الأسوار فقيل لهم انطحوا ما شئتم الجدار فوالله لن نفيق لكم و النعاج نعاجنا و الحوالا تحت إمرتنا.
و بدأت الإشاعات و التغريض و التشكيك و الاتهامات المجانية فتناطحت بعض الخرفان الحرة فيما بينها و صار بعضها يصف البعض بالخيانة و استهلكت في ذلك كثيرا من قواها و تناطحت خرفان أخرى من أجل زعامة القطيع.
كان خرفاننا يأملون أن ينظم كل القطيع إلى ثورتهم ، لكنهم لم يحسبوها جيدا و لم يعوا بأن النعجة تبقى نعجة و بأن الحولي معول على الذبح و السلخ مهما طالت قرونه.
بل أصبح القطيع الكبير يستغرب قيام بعض من خرفانه بالثورة على السادة الرعاة فمنهم من قال أنها الزيغة و منهم من قال إنها الحسابات و منهم من ادعى أنه حب الظهور ، لكن كلهم نددوا و كلهم سكتوا و كلهم دخلوا الزريبة يلوكون عشبا ملطخا بالذل و الروث و الخنوع.
و عندما لعب الرعاة و معهم جزاروهم لعبتهم تعالت المأمأة مرة أخرى واستمرت إلى يومنا هذا لكنها مأمأة راضية بالعام الزين خصوصا وقد قدمت لهم وعود بصابة غير مسبوقة و بوفرة في العشب و التبن و الشمندر و بماء لا ينقطع كما كان الحال و بتنظيف الزرائب مرة مرة .
فلتتجول في كارة الهم اليوم فلن تسمع من قطيع الخرفان غير كلمة مااااع ماع ....
واش زعما ماااعارفينش
واش زعما باقين ماااعاقوا
أم ببساطة أنهم حوالا و طبيعي أن يقولوا في كل المواقف و لمن والى : ماع ماع ماع .

قصة حيوانية عن واقع حيواني في غابة تدعى الكارة.
أبدعت أخي حي فابق يقظانا.