شباب الكارة و الخوف من السياسة

لا تثير السياسة بين شباب مدينة الكارة كثير اهتمام، أما الأغلبية الساحقة منهم فإنهم صاروا ينظرون إليها بكثير من الشك و الارتياب، إن لم يكن ببعض الخوف.وشكلت السياسة في الكارة على مدى سنوات طويلة بل أجيالا بعد اجيال عنصر تخويف أكثر من عنصر جذب. وعندما برزت بالمدينة في الشهور القليلة الماضية حركة شبابية مناضلة وازتها حملات تخويف و تشكيك و تشويه من طرف السلطات المحلية و لوبيات الفساد للعناصر البارزة في تلك الحركة مع تهديد بعضهم و الضغط على البعض الآخر و بشتى الوسائل ، فإن ذلك زاد من توجس الشباب المتفرج من هذا الميدان، فصار ينظر إلى النضال على أنه سياسة و ميدان شائك، بل وضار في كثير من الأحيان.
و زاد الطين بلة الموروث الثقافي للمجتمع الكاروي و الذي لم يشهد حراكا سياسيا حقيقيا و لا نضالا مباشرا منذ الاستقلال بل اكتفى بدور المتفرج من بعيد على ما كانت تشهده المدن المغربية في سنوات الستينات و السبعينات و حتى الثمانينات و ما كان يوازي ذلك من اعتقالات و تعذيب و اختفاء قصري للمناضلين و كانت تلك أحاديث الساعة و لكن بالهمس فقط.
و لقد أثر ذلك كثيرا على المواطن الكاروي البسيط حتى أصبحت الأحاديث الشعبية بين المذاكرة عموما تحفل بكثير من العبارات والحكم التي تحذر من السياسة وعواقبها، وأيضا بنكات وطرائف كثيرة حول عواقب الاهتمام بالسياسة، وأحيانا حكايات وهمية في الغالب تحول السياسة إلى غول مفترس، عوض كونها تدبيرا يوميا لأشياء الناس واهتماما بتفاصيل الحياة، كما هي متعارف عليها عالميا.
و الامثلة كثيرة و متعددة بحيث ليس بالغريب و لا النادر أن تسمع عبارة « شوف واسكت » داخل الأسر و في الشارع و المدرسة و العمل كقمة الحكمة، وهي جملة متداولة على نطاق واسع وتلخص الخوف الكبير من المواضيع السياسية.
كما يردد الكارويون كثيرا عبارة «سبّق الميم ترتاح»، أي أن تختار ترديد عبارات مثل « ما عرفت... ما رأيت... ما سمعت » حتى و إن كنت تعرف و إن كنت رأيت و إن كنت سمعت.
أضف غلى ذلك جملة من الامثلة الشعبية المحبوبة عندنا من قبيل :« لي خاف نجى » ، « لي قرصو لحنش من الشريط يخاف » ، « من الخوف تخاف » بل لا تخلو حتى الأمثلة العربية التي يعلمونا إياها في المدارس من سياسة الترهيب هذه فنجد مثلا قولة : « الصمت حكمة » معممة بل و مكتوبة على الجدران أحيانا.
وعلى الرغم من أن الخوف من السياسة تراجع قليلا بفضل الحراك النضالي الذي تشهده الكارة و لاول مرة في تاريخها ، إلا أن الحذر لا يزال يغلب على أحاديث الناس و منهم الشباب ، ويصبح التوجس سيد الجلسات والأحاديث التي تتعرض للوقفات مثلا او للسياسة عموما ، وكثيرا ما يلجأ الكثيرون إلى السكوت عملا بالحكمة القائلة:« شد لسانك حسن ليك »، مع أن الصمت في السياسة يتحول إلى ذهب بالنسبة للمسؤولين الذين يعتبرونه علامة للرضى كما في المثل الشهير.
و لأن مثل هذا الخوف لا يستطيع تفكيكه إلا رؤية شباب آخرين ارتموا في حضن السياسة و لم يلحقهم سوء ، فإن غياب الشباب عن الساحة السياسية الكاروية زاد من تأزيم الوضع و تأكيد الشكوك و المخاوف .. طبعا لا نستطيع الجزم في درجة هذا الغياب ولا في اهتمام الشباب في الكارة بالسياسة و نرفض منطق التعميم، غير أنه من الأكيد أنهم قلة قليلة جدا، والدليل ان الأحزاب السياسية عندناأصبحت تعاني من نزيف حاد في أعضائها من بين الشباب، وغالبا ما تلجأ خلال أنشطتها أو حملاتها الانتخابية إلى جمع كل من يمكن جمعه من الشباب الهامشيين والعاطلين في الأحياء الشعبية وإغرائهم ببعض المال أو إيجاد عمل، ووضعهم في الواجهة حتى يبدو الحزب وكأنه يتمتع بشعبية القواعد.بل حتى القلةمن الشباب التي تنخرط في أحزابنا فإن أغلبها يفعل ذلك من أجل مصالح خاصة، ويبقى بعيدا عن أي نضال محتمل، وفي أحيان أخرى ينسحب من حزبه ليلتحق بحزب آخر وفق قانون المصالح.
في الأخير نود ان نطمئن إخواننا الشباب على كون السياسة ليست سوى مقابلة في كرة القدم بخططها و تكتيكاتها و للفوز فيها عليك ان تسدد كراتك نحو مرمى الخصم و أن تحاول تسجيل أهداف تمكنك من الانتصار عليه و في المقابل عليك ان تحافظ على شباكك نظيفة و ذلك بالاستماتة في الدفاع عن مرماك.فإذا كانت عندك العزيمة و الإرادة و الخطة المحكمة و اخترت لاعبيك بعناية فكن أكيدا من الفوز .
يوا واش نصيحو : إصابة دابا تجي دابا ؟؟؟ و لا نخليو لعابا عيانين يشبعونا بيوت و حنا كنتفرجو ؟؟؟
هذا هو السؤال.

لقد وضعت أخي أصبعك على بعض مكامن عزوف الشباب عن السياسة وهنالك اسباب اخرى منها ما هو بنيوي اي يدخل في تكوين الشخصية الكاروية من غياب بعض المبادئ السياسية الأساسية و إطلاق الكلام على عواهنه و الانشغال بالتفاهات الصغيرة و عدم الإيمان بجدوى النضال و نصرة الحق و التكاسل و الاتكالية، و منها ما هو معيشي من عدم استقرار داخل المدينة و مغادرتها للدراسة أو البحث عن عمل ، وكلها أسباب وجيهة بالاضافة الى أن هنالك أمور أخرى تجعل شبابنا يتفادى الدخول إلى عالم السياسة من بابه الواسع و أذكر منها الضغط الذي تمارسه الأسر على أبنائها لعدم المشاركة في النضال أو العمل السياسي إما خوفا أو مراعاة أو تهربا ، و منها احتكار الوجوه السياسية القديمة و التي أثبتت فشلها لقيادة الأجسام السياسية و عدم إتاحتها الفرصة للشباب بحيث لا تريده فاعلا بل تابعا فقط ، و منها أيضا الإحباط الذي أصيب به من قاموا بمحاولات و إن كانت غير مدروسة بحيث أصبح معلوما أنه من لا مال له و لا دعم من السلطة فمصيره فشل ذريع ، و منها جهل المجتمع الكاروي لأبسط أبجديات السياسة و غياب التأطير السياسي الصحيح و الأمية السياسية و الخلط بين الشخوص و الأحزاب بحيث لا يهتم أحد بالبرامج و الإيديولوجيات قدر اهتمامه بالأشخاص .. و بالطبع هنالك عوامل أخرى أترك الفرصة للإخوة و الأخوات كي يتعمقوا فيها أكثر خاتما بكون شبابنا لا زال لا يؤمن بقدراته و بالوزن الذي تعطيه إياه نسبته الكبيرة مقارنة مع باقي الفئات العمرية الأخرى في مجتمعنا و أنه حينما سيعي بهذه المسألة فسيصبح صاحب الكلمة الاولى و ليس فقط في السياسة بل في شتى الميادين