لا جدوى من نضال لا تشارك فيه الطبقات المتضررة

لقد كان حَرِيًّا بمئات من الشبان الكارويين الذين عرفوا جور الزمان و داقوا من وبال البطالة والبؤس أن يناضلوا بكل الوسائل المشروعة و المتاحة لهم وأن يحتجوا على مرارة البطالة في مدينة يحكمها الفساد و أهله وتُدار مصالحها بالمحاباة والرشوة وسائر ضروب الفساد.فلقد اتيحت لنا فرصة تاريخية بتلك الوقفات المباركة التي نظمت بالكارة في الشهور الأخيرة ، لكننا لم نحسن استغلالها و أخشى أن تكون قد مرت إلى غير رجعة.
فلقد دخلنا ساحة النضال في الكارة ضد الفساد و الاستبداد من بابها الواسع و تحملت أعباء و تبعات هذا النضال نخبة من الشباب الواعي و المثقف و لكن للأسف لم يكن المواطن البسيط -الذي يقوم النضال من أجله أصلاً - في الموعد فلم يشارك في ذلك النضال إلا قليل من المتضررين ، وهذا ما جعل نضالاتنا ، و لا أخاف من الاعتراف بذلك ، فاشلة في تحقيق أهدافها، عديمة الجدوى و عاجزة عن إخراج المواطن الكاروي من وطأة الحكرة و الفقر و الفساد و الاستبداد وما يبذره هذا الأخير في المجتمع من بؤس وحرمان ومظالم لا حدود لها... وكيف كان لتلك النضالات أن تنجح وصاحب الشأن بعيد عنها غير مشارك فيها ولا مكترث بها، وكأنها لا تعنيه ؟
كنا نستبشر بانتفاضة الشباب العاطلين عن العمل المحرومين من خيرات مدينتهم بسبب سياسات الحيف والمحسوبية و الزبونية و الرشوة، لا لأن انتفاضتهم المفترضة كانت ستصب في نفس أهداف النخبة المقاومة للاستبداد ، بل لأن ذلك الشباب العادي العازف عن العمل السياسي جاءته الفرصة حتى بابه و كان عليه في خضم الأحداث الراهنة آنذاك و الحراك الدائر أن يُدرك أن له حقا مغتصبا يجب أن يدافع عنه ويناضل من أجله، وهو ذات الهدف الذي تناضل من أجله النخبة المعارضة و خصوصا على مواقع الأنترنت و منذ سنوات.
و بسبب تقاعس المتضررين الحقيقيين اتهمنا بشتى أنواع التهم كان سببها انزعاج السلطة و المنتخبين و الميسورين من استبشارنا بالأحداث الجارية في مدينتنا و خوفهم من تحقق بشرى انتفاضة عامة في الكارة ! فاتهمنا بتحريض للشباب في الكارة على الانتفاض ورفض الواقع المرير! و لامنا كثيرون على أن ذلك سيتسبب في تأجيج للأحداث ورمي للشباب الغاضب الذي استجاب لنداءاتنا في أتون صراع مع سلطة و عصابات انتخابية لا ترحم ! و اعتبر اخرون أن لنا أهدافا سياسية و اننا كنا نستخدم هؤلاء الشباب وقودا لصراعات سياسية ، والحال أن انتفاضتهم مثل انتفاضتنا كانت اجتماعية خالصة و تهم الشباب قبل غيرهم !
و لم نفهم لماذا لم يُنظَر لذلك التحريض من طرف حتى فئة عريضة من مثقفي المدينة على أنه مجرد حث لؤلائك على التشجع ونبذ الخوف والاستسلام للاستبداد والظلم ! أم أن نبذ الخوف غير مشروع أيضا، والاستسلام للفساد و الدكتاتورية وعصاباتها الفاسدة هو المطلوب ؟
ثم ليجبني المشككون و المنتقدون و المتهمون لنا من القاعدين عن النضال :
- هل يجب أن نفهم من تجربتنا النضالية تلك أن المناضلين المعارضين للفساد و الذين قاوموا و صبروا على الأذى قد خُلقوا من طينة غير طينة البشر لنُحمّلهم ما لا يحتمله البشر ؟ و هل هم وحدهم معنيون بضرورة الإصلاح و التغيير في مدينة الكل يعاني فيها ؟
- أم أن أبناءنا البائسين و شبابنا العاطلين الذين يقتلهم اليأس والإحباط هم من طينة أدنى من طينة البشر في تحمل ضريبة النضال لتغيير واقعهم، فهذه بالأساس قضيتهم ، والبؤس والشقاء من نصيبهم لا من نصيب من نجحوا في حياتهم مثل بعضنا ؟ ...
أخيرا يجب أن ندرك اليوم أن نضالات عدد محدود من النخبة الكاروية وحده لا تكفي ، ولن تغير واقعا مريرا مهما طالت مرارته، فلو أن الله منّ علينا بمائة نسخة من كل واحد من الذين تظاهروا لما كان ذلك كافيًا لتحرير الكارة من وطأة المستبدين و لوبيات الفساد ووضعها على سكة التنمية و الحرية والعدالة و الكرامة الإنسانية.فنضالات الذين وقفوا عدة وقفات كانت تاريخيا مهمة ولا شك ، ولكننا سنظل في حاجة أكيدة لمشاركة المواطنين العاديين في النضال من أجل تحرير أنفسهم من الخوف والاستسلام، ليتحرروا بعد ذلك من الاستبداد والقهر..

الطبقات المتضررة عاجبها الحال هاكذا ، وعلاه شكون لي كينجح هاذ المفسدين من غير الطبقات المتضررة ؟؟؟؟