لو سألوك عن عمر الحسناوي

رسالة مرتجلة إلى كل من أبدع وإلى كل من لم يبدع:
===============================
لو سألوك؟!
======
لو سألوك لماذا لا يَقْبل التكريم؟!
قل لهم، إن إقصاءً طاله من طرف المسؤولين أكثر من عشرين سنة، جعله يرفض في ذاته أي تكريم، و لا يرى التكريم سوى تأبينا، فمنذ أن هَرْدَم الشعر سنة 1986، والأيام تمر تلو الأيام، و كذا مرت به الأعوام، وهو كالبنيان يُهَدُّ عاما بعد عام، كتب الشعر وهو ابن ثلاثة عشر سنة، متتلمذا في ذلك على يد صديقه وأستاذه الشاعر حسبان بوجمعة، في نفس السنة استهوته كتابة الزجل مستفيدا آنذاك من تجربة الزجال محمد العجيلي رحمه الله، وهَمٌّ آخر حمله ساعتها إنه الضحك والإضحاك، بداية لم يعتبره سوى مُتَنَفَّسا، لكن بعدها صار محبسا، وُلد أملا وانتهى ألماً، في 1986 رفقة عمر فقيهي ورضوان العلودي وآخرين، وفي 1987 فاز بجائزة أحسن فكاهي على الصعيد المحلي، هذا الفوز وَلَّدَ فيه حلما بالنجومية، وكانت جمعية المواهب والتربية الاجتماعية أول سماء تحتضن هذا النُّجَيم: (مخيم مدينة بوزنيقة 1987) و (مخيم الهرهورة 1989)، و (المؤتمر الوطني التاسع بالرباط 1991)، ثلاث خطوات كان لها وقع كبير في مسيرة هذا الطفل، تلتها تجربة أخرى مع الفنان بوشعيب البابي في المسرح الملتزم سنة 1992، في الكثير من المسرحيات نذكر على سبيل المثال لا الحصر، مسرحية (أرواح في الجحيم)، بعدها عاش تمردا ضد الذات والآخر، في عزلة دامت أربع سنوات وسط المئات من الكتب والجرائد والمجلات، ولم يكن له من خيط يوصله بالعالم سوى رسائل إلى الإذاعات والجرائد والمجلات، داخل الوطن وخارجه،
آلاف الرسائل تحمل شعرا أو زجلا تارة، وتارة تحمل جنسا أدبيا آخر، نشرت بعض هذه الأعمال وبعضها لم ينشر، ثم عاد من جديد إلى الميادين سنة 1996، رفقة الأستاذ مصطفى بن الحمرا وجمعية الشعلة فرع الكارة، وانتشار جماهيري واسع مصحوب بتشجيعات قوية من الأساتذة بوفوس علي والعالمي ومصطفى الملاح، ولا ننسى تشجيعات صديقه باشا مدينة الكارة آنذاك سعيد مبرومي، فعلا، كان أكثر من سفير لفرع الشعلة داخل المنطقة وخارجها (ملتقى الجديدة) رفقة مسرار سعيد، (دار الشباب العالية بالمحمدية) رفقة شفيفيك مصطفى، (نادي الشباب بالتلفزة المغربية، ومؤسسة الفضيلة ببرشيد) رفقة مصطفى بن الحمرا.
وقل لهم، أن في سنة 1997 تبنى المجلس البلدي بالكارة طبع ديوانه "جذور الهم" وهو عبارة عن لوحات زجلية تتناول أصغر الأشياء وأعمقها في قالب ساخر يعتمد الحكاية والمثل والموروث الشعبي، ولسبب يجهله إلى الآن ألغى أعضاء المجلس طبع الكتاب، بعد جهد كبير قام به الأستاذان: الخطاط محمد حمامة والفنان التشكيلي قاسم حضرية، صدمة كبيرة وإحباط مزدوج لم يفق منهما إلا بالإعلان عن المهرجان الوطني الأول للإبداع الساخر بالرباط، شارك و فاز بالجائزة الأولى على الصعيد الوطني، وسط عدد كبير من الفنانين، و حشد هائل من الجمهور الذي ملأ أدراج قاعة (اباحنيني) ، وتوالت المشاركات: في 1998 فوز آخر تلاه تسجيله شريط بوجادي ولد غشيم في تجربة (one man show)،والمنع من تسجيل شريط "البطولة الشعبية"رفقة الفنان حافظ العيسي،والمرحوم عبد النبي عمران(عبية)وآخرين، 1999 الجائزة الأولى أيضا، لكن هذه المرة رفقة رفيق دربه الفنان حامد الرميقي، ومعاناة طويلة سببها التهميش، فماذا تعني كثرة الجوائز للمبدع مع كثرة الإقصاءات؟!
وقل لهم، أنه بعد كل هذا الإلغاء والتغييب، أسس جمعية بلا حدود للثقافة والفن، مع عزيز السعداني وحميد كرصان وليلى اجعيدان،هذه الجمعية التي لم تحض بأي دعم لا مادي ولا معنوي، ومنحتها الوحيدة مازالت إلى الآن أرقاما في مكتب البريد لم يتسلمها لأكثر من سبب، سنة 2000 كانت آخر مشاركة له في المهرجان، لكنها توجت بالجائزة الأولى أيضا، وكانت الدورة تكريم الفنان محمد الجم، وتوالت المحن، كل الأبواب موصدة، حتى الإذاعة والتلفزة، ولا حل له سوى العودة من جديد إلى العزلة.. هذه المرارة أثمرت ديوان ( نجوم وقمر )، و ديوان ( وحش الغابة )، و ( شهد العاشقات )، وقصة ( أشواك حادة )، والعشرات من الأغاني الوطنية والعاطفية والاجتماعية مقبولة كلها من طرف لجنة الكلمات بالإذاعة و التلفزة المغربية، في 2003 مُـعـاناة مع المرض خارج الوطن، وبالضبط في ليبيا، هذه المعاناة ساهمت بشكل كبير في تجميع كتابه: ( الحب ألف حكمة وحكمة ) الذي رأى النور بعد عودته من هناك سنة 2005، اضطر المبدع إلى البحث عن وسيلة لكسب قوته اليومي، فوجدها في بيع الكتب، ولأن الناس لم يعودوا يقرؤون، استبدل بيع الكتب ببيع مواد التجميل، ملقيا بذلك الإبداع خلف ظهره أربع سنوات، وتحت إلحاح الكثير من أصدقائه ومعجبيه، يظهر من جديد رفقة الشاعر مصطفى شكري والشاعر سعيد وجيه، في تجربة فريدة اسمها: ( ديوان مرايا )، وبعد ديوان الشعراء الثلاثة، يأتي هذا الكتاب..، أقصد هذه الحماقات، وتستمر الحياة وكلها حماقات.
وقل لهم، رغم كل شيء، فالنهر ما زال نهرا، والبحر ما زال في مد وجزر.. قهرًا.

توقيع: عمر الحسناوي
جحا المغربي